سلامة في ندوة الشراكة الروحية الوطنية: لاستعادة اعمار البنى الفوقية وتعزيز مناعتنا امام الاضطرابات الاقليمية والدولية

Friday, 23 May 2025
أقيمت ندوة ثقافية وطنية على مسرح مبنى جمعية "النهضة الاجتماعية الخيرية" في شانيه، بعنوان "الشراكة الروحية الوطنية-مظلة الاصلاح والانقاذ"، بدعوة من "الملتقى الثقافي والاجتماعي لجرد #عاليه والجوار"، برعاية شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ابي المنى و #وزير_الثقافة الدكتور غسان سلامة وحضورهما، حاضر فيها كل من رئيس الجامعة الاسلامية الوزير السابق حسن اللقيس، رئيس جامعة المقاصد حسان غزيري، الرئيس الفخري لجامعة الروح القدس البروفسور الاب جورج حبيقة، وادارها العميد المتقاعد رياض شيا.
افتتح الندوة الشيخ ابي المنى قائلًا :"يسعدني بداية أن أكون معكم في هذا اللقاء الوطني الفكري الجامع، مرحبا ومتكلما ومستمعا، ومباركا للهيئة التأسيسية للملتقى الثقافي والاجتماعي لجرد عاليه والجوار انطلاقته هذه، عاقدين عليه الأمل في توسع دائرته ليضم إلى جانب الهيئة التأسيسية نخبة من المثقفين والناشطين من أبناء هذه المنطقة العزيزة على قلوبنا، وفي تقديم المبادرات المتنوعة في إطار التعاون المجتمعي للنهوض والتنمية في منطقة وسطية جبلية تستقطب التنوع الوطني والمناطقي بمحبة وترحاب. ويسعدني أن يلبي دعوتنا هذه، معالي وزير الثقافة المعروف بفكره المنفتح على الحوار وسبر الأغوار، والمتجاوب معنا باندفاع لخوض غمار هذا التحدي الثقافي الوطني، وقد اخترنا هذا العنوان ليكون محور التداخل والتفكير المعمق مع بداية مسيرة وطنية فكرية وانطلاقة عهد جديد استبشرنا به خيرا بعد المخاض العسير الذي انتهى بنهاية حرب عدوانية مسعورة مدمرة، وتمخض عن ولادة ميمونة لأمل واعد بفجر جديد ومع خطاب قسم مبشر بخير أكيد".
والقى الوزير سلامة كلمة بالمناسبة شدد فيها على ضرورة استعادة اعمار بنى فوقية، وبناء رقعة مشتركة بين مختلف مكونات هذا البلد، لتحقيق شراكة وطنية لافتًا الى ان " وظيفة الثقافة " بالذات هي إعادة بناء البنى الفوقية، اي بنى العقل، بنى الروح". ودعا الى تعزيز مناعتنا امام الاضطرابات الإقليمية والدولية ومما جاء في كلمته :"احمل لكم اولا تحيات فخامة رئيس البلاد العماد جوزاف عون الذي شرفني وكلفني بأن اكون معكم اليوم بهذا الاحتفال المهيب. اما بعد، لقد عذبني سماحة شيخ العقل وطلب مني ان أستخلص بعض الملاحظات مما جاء به الزملاء الاعزاء فاني اعتبر نفسي اولا اكاديميا مثلهم في ما جاء على لسانهم من أفكار قيمة ومن طروحات جيدة، وان شئت الايجاز، لاوجزت ملاحظاتي بكلمتين، اما الأولى فهي التنوع ، وفعلا كما قال سماحة الشيخ اليوم هو يوم التنوع الثقافي في العالم، وما لم يقله هو التالي: لقد كان للبنان الدور الاساسي لصياغة البند في هذه المعاهدة، لأن لبنان قاسى من سوء ادارة التنوع فيه واستفاد كثيرا من وجود التنوع بين ابنائه، لذلك كان عليما بعظمة التنوع ولذلك قيل له ان يكون الصائغ الأساسي لمعاهدة التنوع الثقافي".
اضاف: "التنوع الثقافي كما قال المحاضرون يفرض الحوار، ولقد اعتاد الناس على القول بأن الحوار هو نقيض الاقتتال، وفي يقيني ان هذه الفكرة غير صحيحة. اني اعتبر الحوار شكلا من اشكال القتال، ذلك ان القتال هو قتال ضد الاخر، بينما الحوار هو قتال مع الذات، مع النفس لكي تقتنع بوجود الاخر، مع النفس لكي تقبل باختلاف الاخر بعقيدته الدينية أو في ثقافته أو في لغته أو في مذهبه. وقتال مع الذات لكي تقبل بأن تتأثر بفكر الاخر ولا تكتفي بمحاولة التأثير عليه. لذلك فالحوار شكل من اشكال القتال انما هو قتال مع الذات. اما الكلمة الثانية فهي كلمة الدولة، في حال التنوع تبقى الدولة مجالا رحبا لادارة التنوع، الدولة هي صاحبة القرار السياسي والاقتصادي، واذا كان التنوع في حال من التناغم والتناسب والتناسق فان الدولة قادرة على الاستفادة منه لكي تتوجه لمختلف مكونات المجتمع وتقتنص من كل مكون ما يفيد الوطن بأجمعه. لكن المكونات اذا كانت على تنافر فإن الدولة تبدو مشلولة عاجزة عن تجاوز هذا التناغم من المكونات".
وتابع: "نستذكر اليوم بتواضع اننا عشنا 50 عاما اختلط فيها التنافر والتقاتل مع المحاولات المتكررة للخروج من هذا التنافر الى فضاء من التواصل والتكامل والتفاعل. ذكرت اتفاق الطائف وكان محاولة عظيمة للانتقال من التنافر للتفاهم. هناك محاولات اخرى ونحن اليوم على ابواب الانقاذ والاصلاح وقد اختارت الحكومة هاتين الكلمتين، لكن الحكومة امام تحد حقيقي وهو ان 50 عاما التي مرت شهدت انحسارا في نفوذ الدولة ومن لا يعلم بذلك يكون على قدر من السذاجة. لقد تراجع نفوذ الدولة ولكن تراجع هذا النفوذ لم يحل مكانه الفضاء الخالي ، لقد دخل اطراف عديدة لملء هذا الفراغ الذي احدثه انحباس قدرة الدولة".
واردف: "لقد نشأت مصالح متجذرة تدافع عن نفسها ضد الصالح العام وعندما تأتي بفكرة الدفاع عن الصالح وهي مهمة الدولة الاولى، فانها تصطدم بتجمع متجذر من المصالح. وفي العشرين أو الثلاثين من السنين الماضية تعددت هذه المصالح ونراها في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية لذلك، المطلوب من الدولة ان تكون على قدر من الجرأة لمواجهة هذه المصالح المتجذرة لانها مصالح فئوية لا تبغي الدفاع عن الصالح العام بل عن مصالح ضيقة شخصية. نحن امام مصالح ضيقة في المصارف، مصالح لمولدات الكهرباء، مصالح ضيقة في مجال القمامة، مصالح في كل نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية. عندما تبدأ عملية الاصلاح فانها تصطدم دوما بهذه المصالح ، لذلك على رغم قصر حياة هذه الحكومة فانها التزمت بعدد من القرارات التي تحاول استعادة سلطة الدولة الى قلب الحياة اليومية في لبنان. أحيانا في تبني هذه الاصلاحات نحتاج أحيانا الى كثير من الاقناع . لاقناع النواب بها ولاقناع اللبنانيين في مختلف المجالات، لاستعادة الدولة سيطرتها على الشواطئ البحرية، في قرار الدولة لرفع السرية المصرفية، لكي نتمكن من معرفة حقيقة وضع نحو 50 مصرفا نعرف جميعا ان بعضها في حال صعبة. نحن بحاجة الى اصلاحات اخرى أيضا، ولقد اخذنا على انفسنا محاولة تطبيق ما لم يطبق او طبق بطريقة مشروطة عبر ميثاق الوفاق الوطني عام 1989, لكن هذا لا يكفي. لقد اهتمت الحكومات المتتالية منذ 50عاما بإعادة بناء البنى التحتية ونحن نعلم تماما ان هذا لا يكفي بتجنب حروب جديدة ولتجنب انحسار جديد في نفوسنا، بل أن الضروري ايضا هو إعادة بناء البنى الفوقية، بنى العقل والقلب، بنى القيم المشتركة. ربما اننا تنبهنا لأهمية اعادة البناء بعد الحرب الاهلية، لكننا لم نتنبه بصورة كافية لضرورة استعادة اعمار بنى فوقية، ولبناء رقعة مشتركة بين مختلف مكونات هذا البلد، لذلك أرحب بالشراكة الوطنية واشعر بنفسي في مكاني معكم سماحة الشيخ، لأن وظيفة الثقافة بالذات هي إعادة بناء البنى الفوقية، اي بنى العقل، بنى الروح".
تابع: "نعيش في منطقة مضطربة، نعيش الى جانب بلد جار شقيق هو سوريا يمر بتحولات ومصاعب عرفنا بعضها و نأمل لها ان تنتهي الى نوع من الاستقرار لاننا نعتبر ان استقرار الاوضاع في سوريا مفيدة لاستقرار الاوضاع في بلدنا. ونحن نعيش في منطقة تشهد نزاعا دمويا لا مثيل، له في منطقة لا تتجاوز مساحتها 4000 كلم مربعا اسمها قطاع غزة والتي يوجد فيها اكثر من 56 ألف قتيل الاكثرية الساحقة منهم من الاولاد والنساء هذا يجري على مرمى حجر من لبنان، وهذا سيبقى في ذاكرة الاطفال، وفي ذاكرة الذين شهدوا هذه المجزرة غير المسبوقة في محيطنا، التي تجعل النزاع بيننا وبين إسرائيل اكثر تعقيدا من اي وقت مضى".
وختم سلامة: "على #لبنان لا ان يجابه فقط المصالح المتجذرة في الداخل، بل عليه أيضا ان يواجه منطقة مضطربة اعطيت بعض الامثلة عليها، لذلك فإن استقرارنا يساعد على مناعتنا. نحن بحاجة لتعزيز مناعتنا امام الاضطرابات الإقليمية والدولية، بحاجة الى مناعة داخلية اكبر تجاه الامور الشعبوية السلبية في خطاب الدول العظمى، مناعة اكبر بوجه النزاع العربي-الاسرائيلي، بحاجة الى مناعة اكبر بوجه الاضطرابات الطائفية في سوريا الشقيقة، لذلك ان بناء هذه المناعة يتم طبعا في تنفيذ القرارات الدولية وباعادة اعمار ما هدمته الحرب على لبنان وبالاصلاحات الضرورية، لينهض لبنان من كبوته المالية والاقتصادية، ولكنه يحتاج الى اعادة بناء البنى الفوقية اي الذات. فإلى شراكة روحية صادقة تعترف بأن الحوار قتال مع الذات".



Actualités