






كانوا جميعهم هُناك، حيث طيف التاريخ والعراقة، حيث الأوراق النقدية، وتاريخ العملة، والنقود الصليبيّة والأخرى الأوروبيّة. في المتاحف الّلوحات على أنواعها، والتُحف النادرة. حيث المنحوتات التي تغوص في عوالم هذا المُبدع أو ذاك. حيث الأحلام التي تحوّلت فنوناً على أنواعها تغوص في "نزوات" من ابتدعها، ولم لا هواجسه وإنخطافه العابِر... وتلك النوادر التي لم تتمكّن الأيام من أن تسلب منها وهج اللقاءات الأولى.
جاؤوا الى المتاحف، وكانوا من كل الأعمار. أرادوا أن يعيشوا اللحظة بكل انفعالاتها. فإذا باللحظة تستمر ساعات طويلة، تحوّلت خلالها العاصمة الخليلة قرية صغيرة إستراحت على العجقة "اللذيذة". وكأن الكبار والصغار كانوا "رفقة عمر"، تقاسموا الإحتفاليّة الجميلة التي اتخذت عنوان "ليلة المتاحف". وها هي المناطق اللبنانيّة تفتح متاحفها مجاناً للجميع، وتهتف بحماسة عاشقة عشرينيّة: تعالوا إلى حيث الثقافة والعراقة!
وكان لها ما أرادت!
في العاصمة بيروت تحوّلت الإحتفاليّة تظاهرة شعبيّة، سُرعان ما إنتقلت "هزّاتها الإرتداديّة" إلى مواقع التواصل الاجتماعيّ من خلال مئات الصور ومقاطع الفيديو الـ"لايف" التي عكست إنفعالات الشارع وجنونه الرائع. بعضهم ركن سيارته بعيداً من هذا المتحف أو ذاك، بعدما كاد أن ييأس من الإختناق المروريّ الذي لم يُغضب أي شخص هذه المرّة! العشرات اختاروا السير على الأقدام. إستغلّوها فرصة للتنزّه في الشوارع البيروتيّة المُزخرفة بالحكايات.
نُزهة "لطيفة" في هذه الأمسية الربيعيّة، التي اتخذت خلالها الابتسامات والهُتافات شكلاً، "ولك إنت كمان هون!؟"، وكانت النظرات الودودة زينتها الخلفيّة.
أمّا أهل الإعلام، فكانت لهم نُزهة من نوع آخر، تقاسموها مع وزير الثقافة الدكتور غطّاس الخوري الذي اختار أن يزور متاحف العاصمة في الأمسية الشهيرة والخارجة عن التقاليد وكل ما هو عاديّ، معهم، مُتنقلاً في الباص المُخصّص لهم.
وصل مُتأخراً بعض الشيء عن الموعد المُقرّر لزيارة المتاحف مع الصحافيّين، على اعتبار أنه أصرّ على حُضور الجلسة في مجلس النوّاب. وبعدما يُقارب الساعة من الإنتظار أمام مصرف لبنان في شارع الحمراء التاريخيّ، وصل "معالي الوزير"، وتهافتت عليه مُختلف وسائل الإعلام. وكانت عشرات الأسئلة وعشرات الـSelfies مع زوّار متحف مصرف لبنان، ولبّى الخوري كل طلبات الكبار والصغار وأجاب على أسئلتهم. وخلال 3 ساعات ونصف الساعة، لم تُفارق الإبتسامة ثغره. وضع نفسه في تصرّف هؤلاء الذين أرادوا الإحتفال بالحياة من خلال إحتفالهم بعراقة المتاحف وتاريخها الذي ارتدى "حلّة العيد". في هذه الأمسية التي تقاسم خلالها "ولاد البلد" لحظات عابرة من الفرح، ووضعوا جانباً تلك الهموم المرسومة على "جبين أيامهم"، كان وزير الثقافة الصديق الحاضن للكبار والصغار. زار بعد المتحف التابع لمصرف لبنان، متحف الجامعة الأميركيّة في بيروت، وبعده متحف سرسق، وبعده فيلا عوده، وصولاً إلى المتحف الوطني حيث عرض الليزر. زار متحف مصرف لبنان "زاوية وزاوية". جاء دوره في طرح الأسئلة عن هذه القطعة النقديّة وتلك. كانت له ملاحظات، "المصمّم العالمي هارميس إستوحى إحدى إبتكاراته من هذه القطعة النقديّة". الزوّار الأجانب تعاملوا معه وكأنه نجم الساعة. وكذلك الأولاد. الكبار صفّقوا له، وهو ضحك مطولاً وتحدث مع الجميع بإسترخاء. هذه الأمسية مُخصّصة لنا جميعاً. البلد بأسره قرية، والعاصمة هي منزل العائلة الكبير، والمتاحف غرفها الخاصة!
في الباص المُخصّص لأهل الإعلام، "تساير" مع الجميع. ناداهم بإسمهم الأول. صور الـSelfie "حتى بالباص"؟ لم لا؟ في المتحف التابع للجامعة الأميركيّة، غنّى له تلامذة إحدى المدارس "طلّوا حبابنا". رافقوه غناء فيماتنقّل من غرفة إلى أخرى مُستمعاً إلى شرح القيمين عن المتحف. في طريق العودة إلى الباص، قال لبعض الذين اقتربوا منه طالبين إلتقاط الصور له أو معه، "تفضلوا زوروا المتاحف معنا بالباص!". البعض لبّى الدعوة. هذه الأمسية فعلاً مُخصّصة للجميع! في الطريق إلى متحف سرسق هَتَف فجأة بعدما إشتدّت الزحمة ومنعت الباص من التقدّم "حتى خطوة واحدة"، "هيا بنا نكمل الطريق سيراً على الأقدام!". نزل أهل الصحافة من الباص، يتقدمهم الوزير الخوري، فإذا بالناس في السيّارات يلتقطون الصور لهذا "الموكب" غير التقليديّ عبر النوافذ، هاتفين، "يا أهلا بمعالي الوزير!".
وفي متحف سرسق، أصرّ الزوّار على التحدث معه وكأن صداقة قديمة تجمعهم به. تعرّف إلى بعض الأعمال الفنيّة الراقية في المجموعات الدائمة والأخرى الموقتة. إلى فيلا عوده سيراً على الأقدام مُجدداً. في الفيلا العريقة هتف رجل يحضن إبنته، "معالي الوزير ليش بدكن تدمروا البيت الأحمر؟ مش حرام؟". أجابه الخوري، "مين قلّلك رح يتدمر؟ البيت باقي". في الطريق إلى المتحف الوطني، إشتدّت الزحمة. فإذا بالباص يتوقّف من دون سابق تصوّر وتصميم بالقرب من جامعة القديس يوسف. عندئذ قرّر الوزير ان يزور المتحف التابع للجامعة، ومن دون أن يكون الموقع في البرنامج المطروح للأمسية. وهناك، تحولت زيارته إلى مهرجان شعبيّ تخلّلته الضحكات "وأكيد صور السيلفي"! وفي المحطّة الأخيرة في المتحف الوطنيّ، كانت تصريحاته لمختلف وسائل الإعلام، وزيارة خاطفة للمتحف الأسطوريّ،إلى عرض الليزر في نهاية اللقاء.
إنتهت هذه النزهة التي أخرجتنا من رتابة الأيام العاديّة. في طريق العودة في الباص، لم يعد "معالي الوزير" مع أهل الصحافة. وساد الهدوء "المُتعب" الجوّ. ولكن المَشهد في الخارج، من خلال النوافذ، كان "زيّ ما كان" قبل ساعات: ناس في كل مكان. زحمة لذيذة. بيروت في هذه الأمسية كانت فعلاً قرية صغيرة تمسّك "ناسها" بالسعادة...ولو للحظات عابرة.