شارك وزير الثقافة الدكتور غطاس الخوري في احتفالية اليوم العالمي للغة العربية "اللغة العربية والتقنيات الجديدة"، بدعوة من منظمة اليونسكو في باريس، حيث ألقى كلمة لبنان تحت عنوان: "اللغة العربية والعلوم، العمق التراثي والبعد المعرفي" في مقر المنظمة، وفي حضور المديرة العامة اندريه ازولاي، رئيسة المؤتمر العام زهور العلوي وممثلي الدول الاعضاء والفاعليات الديبلوماسية والأدبية والثقافية .
وقال الخوري: "إسمحوا لي بداية أن أتقدم بالشكر من المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو، على قراره القاضي باعتماد يوم 18 كانون الاول يوما عالميا للاحتفال باللغة العربية. لغتنا العربية، لغة الضاد، التي تحفل بمفرداتها الرائعة، وإيقاعها المتميز، وسعة التعبير بمساحات لامتناهية، الإمكانات الكبيرة للبحث والتعبير.
لغتنا الجميلة، والتي سأشير إليها باللغة الأم في كلمتي هذه، كانت بالأمس البعيد لغة السياسة، والأدب، والشعر، والعلوم، والرياضيات، والطب، والفلك. أسس الأولون، عبرها وبواسطتها، قاعدة كبرى للمعرفة استفاد منها العالم أجمع، واستند إليها ليتابع ابحاثه المختلفة.
واليوم أين نحن من كل ذلك؟ سؤال يطرح التساؤل الأهم: متى يجب علينا ان نكف عن الوقوف على الاطلال، والتغني بالماضي، بحيث نقيد انفسنا بما مضى، دون تعديل او نقد، ونعمل على تحقيق قفزة نوعية، حتى لا نغرق بإشكاليات التراث القديم وهمومه، ولا نبقى نعيش بغربة عن حاضرنا وأسرى لماضينا."
أضاف: "يعيش طلابنا اليوم في عالمنا العربي، وخصوصا في لبنان، حالة انفصام. فالاطفال منذ نعومة أظفارهم، نخاطبهم بإحدى اللغات الأجنبية، حتى الطبقات المتوسطة وما دون، تسعى الى وضع ابنائها في المدارس والجامعات الخاصة، التي هي مدارس وجامعات لإرساليات أجنبية أو جمعيات أهلية، تركز في تعليمها على احدى اللغتين الفرنسية والانكليزية. حتى أن التخاطب اليومي بين الاقران أصبح يتم عبر هاتين اللغتين، وإن إدمان الاطلاع على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، جنح بالجميع إلى اعتماد اللغات كافة للتواصل عبرها، ما خلا العربية."
وتابع: "يضع البعض اللوم على مراحل الاستعمار والانتداب على الدول العربية. والبعض الآخر، يضع اللوم على السياسات العامة للدول العربية. من هنا لا بد من قرار شجاع يؤخذ على مستوى أهل القرار في دولنا، من أجل تأسيس هوية قومية، لتأخذ مكانها على المستويات اللغوية والعلمية، واعتماد اللغة الأم في صلب البحث العلمي ونتاج المعرفة، لأن نفور العرب من استخدام لغتهم الام في حياتهم العامة والخاصة، وفي المؤسسات، واللقاءات، والبحوث، والدراسات، وبالتأكيد في المدارس والجامعات، سببه الوضع النفسي للمتلقي، وضياع شبه كامل، بين التعلم باللغة الأم أو باللغة الأجنبية، مما يجعلهم في مستويات مختلفة، حتى بتنا في وضع يرثى له، إذ ينظر الى من تعلم بلغته الأم نظرة دونية، حتى من قبل المؤسسات الخاصة، من دور هندسة ومصارف وغيره، والتي أصبحتْ تعلن أنها لا تستقبل طلبات التوظيف، إلا لخريجين من جامعات محددة، معروفة انها تدرس بإحدى اللغتين الفرنسية أو الانكليزية، مما انعكس سلبا وإحباطا عند الكثير من الطلاب، وعزز الفروقات الاجتماعية بشكل غير عادل."
وقال: "تنادي بعض التيارات الفكرية باعتناق الفكر الغربي كأساس منهجي علمي، يساعد المفكرين العرب على تخطي أزماتهم العلمية والفكرية، واللحاق بركب الحضارة العالمية. وهناك مجموعة أخرى ترفض هذا الطرح، وتطالب بالرجوع الى التراث بشكل عام، باعتباره القاعدة الأساس التي من خلالها نستطيع الحفاظ على الهوية العربية."
ومن على هذا المنبر، إسمحوا لي بأن أنادي وألح في ندائي، على ضرورة التوفيق بين الفكر العلمي الغربي وبين الفكر العلمي الموروث، لضمان التحديث والسير بالفكر العربي في مسار التقدم والعالمية. وهذا ما اعتمده الكثير من الدول، التي حلقت في المجالات العلمية، مع محافظتها على مخزونها التراثي، مثل تركيا وروسيا وإسبانيا والصين وغيرها من الدول.
استنادا الى ذلك، وبغاية إثراء الموقف الثقافي العام، وانتشال الفكر العربي من وضعية الجمود والتبعية، اقترح اعتماد المنهجية التالية:
- اعتماد اللغة العربية لغة التدريس في المراحل التعليمية كافة.
- تدريس اللغات الأجنبية بشكل مدروس وهادف، بحيث يخرج المتلقي ملما، وبشكل جيد، بإحدى اللغات الاجنبية.
- حض الأهل، عبر حملات إعلانية مكثفة وموجهة وذكية، على مخاطبة أولادهم باللغة العربية، وإقناعهم بأن التكلم بلغة أجنبية ليس معيارا للحداثة والحضارة.
- تشجيع المطالعة باللغة الأم، وتشجيع الباحثين في مختلف الموضوعات، وخصوصا العلمية منها، على نشر ابحاثهم باللغة العربية".
وختم: "لا نستطيع في هذه العجالة ان نستفيض أكثر، وخصوصا أن العنوان: "اللغة العربية والعلوم (العمق التراثي والبعد المعرفي)"، يلزمه الكثير من المؤتمرات والأبحاث والقرارات السياسية والأكاديمية. ولغتنا قادرة على مواكبة الركب العلمي العالمي، كما لدينا مخزون تراثي نفتخر به. ومن أجل ألا يقتصر دور لغتنا الأم على الشعر والادب، والخطابات السياسية الرنانة، لا بد من أخد المبادرة، والتخطيط لتبقى لغتنا العربية لغة العلم والعلماء."