انطلاقا" من " ثقافة وزير" وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى يكتب دفاعا" عن الاستاذ بشارة شربل
الإثْنَين, ١٣ ديسمبر ٢٠٢١
جانب "الصحافي المثقّف" الأستاذ بشارة شربل الموقّر،
"البشارةُ"، على ما تعلمون، هي اسم "الإنجيل المقدس" وصفتُه، وهي مضمون بشرى الملاك إلى السيّدة مريم(ع)؛ أما "شربل" فاسمُ قديس لبنان. وقد قُيّض لك أن يجتمع الاسمان فيك عنوانًا لشخصك، وهذا لَعَمْرُكَ شرفٌ كبير، لكنه مقرونٌ بحِملٍ ثقيل، إذْ يفرض عليك السهر الدائم على نقاء المكنون، وبقاءِ مقالاتك معبّرةً أبهى تعبير عما لذينك الاسمين من مدلولات.
أصدقك القول بأن كثيرين أوصوني بألّا أُعيرَ مقالَك "ثقافة وزير" اهتماما" على قاعدة "والذين إذا مرّوا باللغو"، وأردفَ أحدهم: "هل كان بوسع قلمٍ مغموسٍ في محبرةٍ من ذهبٍ أسود أن يكتبَ غيرَ ما كتب؟ ألم تَرَ أين نُشر المقال على مواقع التواصل؟ وإلّا، فكيفَ تفسِّرُ غضبتَه عليك حين تصدَّيْتَ لإجراءات التحقيق العدلي الغائصةِ في المكائد من رأسِ أوراقه حتى أخمصِها، في مقابلِ صمته المطبق عن قضايا يعرفها ونعرفُها ارتُكبَ فيها من الأفعالِ ما ينتمي لحًّا إلى ثقافة الجاهلية أو ما قبلَها؟"
لكنني، وأنا المعجب بأسلوبك، المستهيب لاسميك، أبَيْتُ أن أُسلّم بتحريضٍ عليك؛ فأنا أربأ بك أن تُتَّهمَ بأنك ممن يسكت عن حقٍّ أو يفصحُ عن باطل، أو أنّك ممن يقبض ليكتب أو يكتب ليقبض؛ وتعلم ونعلم أن هؤلاء كثير، ولهذا تراني أجيبُ على مقالِكَ لا لشيءٍ إلا الدفاعَ عنك.
فاتحةُ مقالك كرازتُك - ولا أقولها تهكّمًا - بأن الثقافة "قيمٌ حضارية وإنسانية". هذا لا نقاش فيه. لكنَّك تتفق معي بلا ريب على أنّ الثقافة أيضًا مسؤوليةٌ وطنية تفرض بثّ الوعي ليعرفَ الناسُ، المتضررون قبل سواهم، ما يحوكُه بعضُ الداخل والخارج من محاولات استغلال نكبة انفجار المرفأ وآلام الثكالى وأوجاع المكلومين لتحقيق مكاسب سياسية، وإحداث تغيير سياسي، وخلق الفتن بين مكونات هذا الوطن، وإدخال الشعب في حالة القنوط من إمكانية الاستمرار في العيش معًا، وذلك بملاحقة أبرياء وتوقيفهم وتجنيب المرتكبين الحقيقيين العقاب... ولو كنت أنت وزير الثقافة -وأنت أهلٌ لها وعساك تنالها- أو كنتَ قاضيًا متشرِّبًا من النزاهة والقانون كالغالبية من قضاةِ هذا الوطن، وتيسّر لك ما نعلم، لخضْتَ فيما نخوض كما نخوض... وربّما بأشدَّ صرامةً، وذلك بغضّ النظر عن منهلك أو ارتباطاتك المهنية أو العائلية وما قد يحثّك عليه هواك السياسي وصداقاتك الشخصية.
وأوردت في مقالك "لا نعلم هل كان الوزير المرتضى محاميًا... أو كان قاضيًا..." بالفعل أنت لا تعلم ولا ضير في أنك لا تعلم، لكنْ، أفلا تراكَ أهملت واجبك في الاستعلام عن الشخص والاستفهام منه عن سبب موقفه، وأنتَ الصّحافيُّ المتمرِّسُ المسؤول. ولأنك "لا تعلم" ولم تستعلم ولم تستفهم، نسبت إليّ "لغة التجنّي الميلشياوية" وحداثةَ العهد بالشأن العام، مع أننا "كلنا للوطن.. شيخنا والفتى... أسد غاب متى ساورتنا الفتن". وسلّمت بصحّةِ ما أُشيع تشويهًا عن مجريات جلسة مجلس الوزراء... واقترحت التنبيه والتقريع، وفي هذا كلِّه تسرّعٌ لا يليق، أفضى بك من حيث لا تقصد إلى خروجك عن مفترضات الحيادية وأدخلك في الشخصانية، بل في شبهة المأجورية التي أعلم أنك منها براء، وأنَّك كنتَ طوعَ حميَّتِك التي بكلِّ حال لا ينبغي لها أن تعطّل فيك الموضوعية. فهذه وليدةُ التبيّنِ قبل الخوض، وإنَّكَ لو فعلت لكنت عرفت الحق وتعرّفت بأهله وأدركتَ أننا قدمنا إلى الوزارة من مقامٍ أسمى وأنها لم تهوِ إلينا خلافاً لما أوردته في مقالتك بل نحن هبَطْنا إليها من علِ.
ولكي تبرهن عن مكنةٍ لك في اللغة والإعراب لم تكن بحاجةٍ إلى أن تضربَ المثلَ المأثور: "عزفت النملة النشيد الوطني"... ولكنْ قُرَّ عينًا أستاذنا فلقد أصبت. نحن النملة التي تدأبُ على حمل الأحمال ومواجهة الأهوال كلّما ادلهمَّت الأحوال، أما اختصاصُ العزف فاقرأه عند لافونتين. هذا ديدنُنا في مسيرتنا السابقة النقيّة وطنيتُها كالنشيد... وفي مسيرتِنا الراهنة الصريحةِ في قول الحق جهارًا نهارًا، لم يتبدَّل فينا شيءٌ: كنّا نقول الحق أحكامًا نصدرُها باسم الشعب اللبناني، والآن نقوله مواقفَ نطلقُها من أجل الشعب اللبناني. وعن هذا تحديدًا اسألْه، ولو مرةً... وإخاله سيصدقك... صديقُك رشيد...
أنتظرُ اتصالك. فإن لم تفعل بادرتُك أنا، لنلتقي ونتحاورَ ونتعاون وإيّاك وكل الصادقين على قطع دابر الأضاليل التي تتراكمُ جدًّا، وتخزَّنُ في عنابر نفوسٍ مهترئة، حتى لَنخشى أن تكونَ لها إذا انفجرت، مفاعيلُ نيترات الأمونيوم عينُها. إنَّ علينا المجاهرةَ بالحق فلا انصياع إلّا له، وبه وحده تُقالُ العدالةُ وينجو البلد من كل المرارات الاقتصادية والاجتماعية والعدلية والسياسية، ويبقى موئلًا للفكر والتنوع والحريّة.
دمت وسلمت يراعتك وإلى لقاء قريب!